الاثنين، 19 سبتمبر 2011

معنى السعادة ...الشيخ يوسف القرضاوي


أمـل إليـه هفت قلـوب النـاس في الـزمن التـليـد


أمـل.. له غـور القـديـم كـما له سـحر الجـديـد


أمـل.. إليـه سعـى الملوك كـما إليـه رنـا العبيـد


وتزاحمـوا كالهيـم يـدفـعها الصـدى عند الـورود


وتـساءلـوا عنه، ولكن من يجـيـب؟ ومـن يفيـد؟



فمـشـرق.. ومـغـرب وكلاهما يـرجـو البـعيـد

عـادوا وكـل سـؤالهم أيـن السـعـادة والسـعيـد؟



وتخـالفـوا، ولكـل قـوم وجهـة، ولـهم عمـيــد


                              السعادة في الغنى



قـالوا: السعادة فـي الغنـى فأخو الثـراء هو السعيـد


الأصـفـر الـرنـان في كفـيـه يلـوي كل جـيـد


يرمـي به شـركـاً يصيـد من الرغائـب ما يصيـد



وبـه يـديـن له الـعصي وقد يـليـن لـه الحـديـد

فـإذا أراد… فـكـل مـا في هـذه الـدنيـا يـريـد


وإذا تـمنـى الشـيء جاء كما تـمنـى… أو يـزيـد


والنـاس خلـف ركابـه يـمشون فـي حضـر وبيـد



يـعنـو لــه رب القنـا وتـهـيـم ربــات القدود 



قلت: الغنـى في النـفس وهو لعمرك العيـش الرغيـد


كـم عائـل راض، وكـم مثـر على بـؤس قـعـيـد


فيـقيـم في هم الطريـف وفي الحـفـاظ على التليـد


ويـذوب فـي أطمـاعـه هـي نـاره وهـو الوقـود


فهـو الشقــي بوهمـه وبـحرصه العانـي الكـدود


وهـو الفقيـر وإن بـدا فـي مـال قـارون العـديـد


يعـدو هـنا وهـناك فـي شـغل، كطـواف البـريـد


يبـغي المئـات، فأن وفت يبـغ الألـوف من النقـود


جـشـع به كـجـهـنـم يـشكو: ألا هل من مزيـد؟


أمـا الألـى حول الركـاب فهـم لشهـوتهـم عبـيـد


تـخـذوه صيـدا، والغبـي يظـن أنهـم المـصـيـد


ويــل لـه ويــل إذا عثـرت بـه قـدم الـجـدود


ستـراه كالقبـر الكئـيـب وكـان كالصـرح المشيـد


قـد عـافـه الخـل الـودود كـأنــه نـتـن ودود


أمسـى نذيـر الشـؤم وهو الأمس كان بشيـر عيـد


أمسـى ينقـر كالعـويـل وكـان يطـرب كالنـشيـد


أفبـعـد ذاك تـظـن أن أخـاء الثراء هو السـعيـد؟

                                   السعاده في النفوذ




قـالوا: السعادة فـي النـفوذ وسلطـة الجـاه العتيـد


مـن كالأميـر وكالوزيـر وكالمـديـر وكـالعميــد؟


يرنـو إلـى مـن دونـه فيـسابـقون لمـا يـريـد


وإذا رأى رأيـاً فـذلك وحـده الـرأي الـرشـيــد


كـل يسـارع في هـواه وعـن رضـاه لا يـحـيـد






قلت: اطرحـوا هذي المظاهر واسمعـوا بيت القصيـد



فأخـو النـفـوذ بجاهـه يشقى وإن سحـب البـرود


ماعـاش يحـرص أن يـدوم له النفـوذ ويستـزيـد

متـمـلقـاً مـن فـوقـه طمـع المثـوبـة والمزيـد


ومخـافـة أن يسـقط الكـرسـي يـومـاً أو يـمـي



متـرضيـاً مـن دونــه بـعطـائـه أو بالـوعـود


يـبـغي رضـا كل الـورى ورضاهمـو شيء بعيـد

فتـراه يـبـسـم للبـغيـض كأنـه الحـب الـودود



وتـراه يـمتـدح الغبـي كأنـه الفـطـن الرشيــد

فاعجب لأزيـاء الملـوك وتـحتـها نـفس العبـيـد



لا يـخدعنـك ثـلـة حـاطـوا بـه مثـل الجـنـود

أبصرهمو -إن شئت- حين يجيء بالـعـزل البـريـد


تـجـد النـفوذ هـوى كما تـهوي وتنـفرط العقـود



ذهـب البـطانة واختفى الـزوار، وانـفض الحشـود


قـد كـان سـوق منـىً وكانـوا هم كتـجار اليـهود

وافــوه يـوم نـفـاقـه وجـفـوه أيـام الـركـود



وإذا رأوه دعــوا: ألا بـعداً كـما بـعـدت ثــمود


أفـبـعد ذاك تـظـن أن أخـاً النـفوذ هـو السعيـد؟


                              السعاده في الغرام

قالوا: السعادة في الـغرام الحلو… في خصـر وجيـد


في نرجس العيـن الضحوك وفي الورود على الخـدود



في ليـلة قـمراء ليس بها سـوى الشـهب الشـهود

فيـها التـناجي يـستـطاب كـأنـه وتــر وعـود






قـلـت: الغـرام خـرافـة كبـرى وأحـلام شـرود



هـو فـكـرة بـلهاء أو نـزعـات شيـطان مـريـد


هـو شغـل قـلـب فـارغ فـقـد التـطلع للصعـود

وهو الضنـى، وهو الدمـوع، وشقوة القلـب العميـد



ما أضيـع الأعمار تـقضى في الهيـام، وفي السهـود


في حـب غانـيـة لعـوب في أمـانـي، في وعـود


الحـب حـب الأم والأب والحـلـيـلـة والـولـيـد

حـب المعانـي والحقائـق لا القـدود، ولا النـهـود



حـب يـدوم مـع الـزمـان فلا خـداع ولا كـنـود

فـدع التـي تـهواك حيث تـراك كالزهر النضـيـد


فـإذا تـغيـر دهــرك الـدوار غيـرها الصــدود


وإذا رأت مع غيـرك الـدنـيا مشـت تـحت البنـود


أفـبـعد ذاك تـظن عبـد الغانـيـات هـو السعيـد؟



                        السعاده في الخمول و السكون



قالوا السعادة في السكون وفي الخمـول وفي الخمـود

في العيـش بيـن الأهـل لا عيـش المهــــاجر والطريـد

فـــي لـقمـــة تـأتـــي إليـك بغيـر ماجـــهـد جـهـيــــد

فـــي المــشي خلف الركب في دعـة وفي خطـو وئـيـد

فــي أن تـقـــول كمـــا يقـال فـلا اعتـراض ولا ردود

فــي أن تـسيـر مع القطيـــع وأن تـقـــاد ولا تـقـــود

فــي أن تـصيـــح لكل والٍ عــاش عـهــدكـم المـجـيـد

فــي أن تـعيــش كما يـراد ولا تــعيـش كمـــا تـــريـد





‍قـلت: الحيـــاة هي التـحرك لا السكــــون ولا الهمـود

وهــي التـفــاعل والتـطـــور لا التـــحجـر والجـمـــود

وهــي الجـهـــاد، وهل يجـــاهـــد من تـعلق بـالقـعــود

وهــي الشعــور بالانـتـصــار ولا انـتـصار بلا جـهــود

وهــي التـلـــذذ بالمتــــاعـب لا التـلـــذذ بـــالـرقـــود

هــي أن تـــذود عـــن الحـيــاض، وأي حـر لا يـذود؟

هــي أن تــحـس بأن كـــأس الـــذل من مـــاء صـديـد

هــي أن تـعيــش خليـــفة في الأرض شأنـك أن تـسود

هــي أن تـخــط مصيــر نفسك في التـهام وفي النـجود

وتـقــول : لا، وبمــلء فـيـــك لكـــل جـبـــار عنيد

هـذي الـحيــــاة وشــأنـهـا مــن عـهـد آدم والجــــدود

فـــإذا ركـنـــت إلــى السـكــون فـلذ بسكـــان اللحـــود

أفبـعـد ذاك تـظن أن… أخـــا الـخمـــول هـو السعيـــد؟


                                السعادة في الايمان

قل للذي يبغي السعادة : هل علمت من السعيد ؟!!


ان السعادة : أن تعيش لفكرة الحق التليد


لعقيدة كبرى تحل قضية الكون العتيد


وتجيب عما يسأل الحيران في وعي رشيد


من أين جئت؟ وأين أذهب ؟ لم خلقت ؟ وهل أعود ؟


فتشيع في النفس اليقين وتطرد الشك العنيد


وتعلم الفكر السوي وتصنع الخلق الحميد


تعطي حياتك قيمة رب الحياة بها يشيد


ليظل طرفك رانيا في الأفق للهدف البعيد


فتـعيـش في الدنيا لأخـرى لا تـزول ولا تـبـيـد


وتـمد أرضـك بـالسمـاء وبالمـلائـكة الـشهـود


وتـريـك وجـه الله فـي مـرآة نـفـسك والوجـود

هذي العقيدة للسعيد هي الأساس هي العمود


عرف المراد من الحياة فلم يعش عيش الشريد


وتفاعلا : هو والحياة يفيدها وله تفيد


فاذا استفاد المال فهو لخير أمته رصيد 


والجاه عدته لنفع الناس من بيض وسود


فيعيش من ايمانه في عالم نائي الحدود


ويعيش من أخلاقه في عالم الخير المديد


حلو الشمائل في حياء الزهر , في طهر الوليد


في رقة الماء النمير وبهجة الفجر الجديد


هو في الرخاء وفي الشدائد للجميع أخ ودود


لا الفقر يذهله , ولا الاثراء ينسيه العهود


لا حامل حقدا , فما أشقى الحياة مع الحقود


متبسما , والدهر غضبان يزمجر بالوعيد


هو كالشعاع المستقيم فلا يضل ولا يحيد


هو ناصع , لا يختفي خلف الستائر والسدود


للناس أرباب , ولكن ربه رب وحيد


لا ينحني الا له عند الركوع أو السجود


آماله تنمو على الأحداث كالروض المجود


ويمدها ايمانه الدفاق كالدم في الوريد


هذا لعمري شأن ذي الايمان أو شأن السعيد


لاحزن لاندم على أمس , فأمس لايعود



لا خوف من غده , فخوف غد ظنون لا تفيد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق